الإستشفاء بالمياه المعدنية في تونس
على غرار عديد الدول المتوسطية، يندرج الإستشفاء بالمياه المعدنية في تونس في إطار العادات و التقاليد التي تعود إلى العصور القديمة حيث أنّ مختلف المعالم الأثرية (معبد المياه بزغوان، حمامات طبربة ماجيس، حمامات جوليا مامية بيلاريجيا، حمامات أنطونان بقرطاج...) و عمليات التهيئة الموجودة بمحيط منابع المياه تبرز أن التعرف عن مزايا هذه المياه يعود إلى العصور القديمة في تونس. كما يتضح من خلال الطرق التقليدية للعلاج الطبيعي و التدليك و التمسيد بالحمامات خلال العصور الوسطى و الحديثة أنّها مستوحاة من الثقافة الإجتماعية القرطاجنية و الرومانية.
تعتبر الحمامات بالنسبة للرومانيين من الفنون و سجلت الحمّامات حضورها بالمنازل الخاصة خلال العصور القديمة منذ القرن الثالث قبل الميلاد، أما بالنسبة للحمّامات العمومية فظهورها يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، التي عرفت إنتشارا خلال القرن الأول قبل الميلاد.
شهدت البلاد التونسية إنشاء "الحمامات العصرية" و "الحمامات التركية" خلال القرن العاشر ميلادي، كما عرفت هذه الحمامات إنتشارا واسعا مع الأمويين (القرنين 12 و 13) حيث وقع تشييد العديد منها بالقصور الملكية و بالمدن و بالقرى لفائدة العموم، و أصبح الحمّام مكانا محبّذا لطهارة المسلمين (الإغتسال و الوضوء) قبل آداء الصلاة، و النظافة و العناية الصحية و التداوي من أمراض المفاصل و العظام و قد تحوّل الحمام إلى مكان للقاء.
يتميز محيط منابع المياه المعدنية بمناظر ساحرة و خلابة (محطات المياه الرومانية، منابع المياه الحارة، المحطات الإستشفائية و الحمامات التقليدية) تتلاقح و تتكامل بها الثقافات و الطقوس و الشعائر الدينية و الطب التقليدي.
الهندسة المعمارية لمراكز العلاج
يعود تصميم المباني للحمامات في تونس إلى التقاليد الأندلسية و الأموية، و بطرق بسيطة في التصور و الإنجاز. و من خصائص الحمام إحتوائه على قاعة رئيسية مغطاة بقبة و محاطة بأروقة. أمّا الحمام في العهد العثماني الذي يعود إلى القرن السادس عشر فيتكوّن من جزئين متلاصقين أحدهم للرجال و الآخر للنساء و يتكوّن كل منهم على قاعة جوفية صليبية الشكل تحتوي على قاعات صغيرة في الزوايا. يعود تقديس منابع المياه المعدنية الحارة إلى الثقافات الإجتماعية و المعتقدات و الشعائر الدينية في العصور القديمة باعتبارها هبة من الطبيعة و معجزة إلاهية.
و اعتبارا لنجاح استعمال المياه المعدنية الحارة في التداوي خاصة بشمال إفريقيا، لقد ساهمت هذه الظاهرة في الإعتقاد بمعجزاتها و تعرف إحدى الحمامات بحمام الصالحين نسبة إلى الأولياء الذين رابطوا بمناطق المياه المعدنية. و يبرز العدد الهام للمستشفين بالمياه الحارة من تواجد عديد المباني الصغرى تأخذ شكل الزوايا و منذ القرن الحادي عشر، ساهم التطور الذي أرساه المراديين و النهضة الدينية في إحداث عديد الزوايا. و قد لاقى نجاح هذه الحركية "أولياء الله الصالحين" لدى السكان رواجا كبيرا حيث أصبح السكان يقدسون و يمجدون بركة الزوايا التي أصبحت أماكن للعبادة و التعلم.
المخزون المائي للبلاد التونسية
تزخر البلاد التونسية بمخزون مائي هام متأتي من :
- الطبقات الجوفية و السطحية لشمال البلاد و يقدر بـ 355 ل/ث و يتمّ استغلال جزءا منه يقدر بـ 86 ل/ث بالمحطات الإستشفائية و بالحمّامات التقليدية .
- الطبقة الجوفية القارية الوسطى للجنوب و التي تقدر الإحتياطات المائية بها بحوالي 5250000 مليون م3 و المركب الأعلى و التي تقدر الإحتياطات المائية به بحوالي 3750000 مليون م3 و الجفارة و تقدر إحتياطاتها المائية بـ 78000 مليون م3 إضافة إلى مخزون احتياطي يقدر بـ 1048 مليون م3
و تتميّز هذه المياه بدرجة حرارة تتراوح بين 25 و 75 درجة و يتمّ استغلال أغلبية المنبثقات الطبيعية في تزويد الحمامات التقليدية و المحطات الإستشفائية. هذا وقد عرف قطاع العلاج بالمياه المعدنية بتونس تطوّرا من خلال استغلال المحطات الإستشفائية و الحمامات التقليدية حيث تستقطب المحطات سنويا حوالي 50.000 حريف و يزور حوالي 4.5 مليون حريف الحمامات التقليدية. ويتميز قطاع الإستشفاء بالمياه المعدنية بتونس بمؤهلات معتبرة تتمثل في نوعية المياه المعدنية و الكفاءات المهنية المختصة في العلاج بمحطات المياه المعدنية (العلاج الطبي، العلاج بالوسائل البدنية و الميكانيكية، تقويم الأعضاء... ) و التجهيزات الطبية و الشبه الطبية العصرية و جودة الخدمات المسداة .